في ظل ظروف مناخية صعبة تواجهها دول المغرب العربي، تتجه الحكومات لاتخاذ إجراءات لحماية ثرواتها الحيوانية وصلت حد منع ذبح الأضاحي هذا العام.
إلى الشرق من العاصمة الرباط، وسط المغرب، قرر المجلس الجماعي لقرية أجلموس، قبل أسبوع من عيد الأضحى، منع دخول الأغنام والماعز إلى السوق الأسبوعي، الذي اعتادت القرية إقامته كل سبت، ويعتبر أحد أهم الأسواق لتجارة الماشية في كامل البلاد.
وعلى الرغم من عدم وجود قرار رسمي بمنع تجارة وذبح الأضحية في المغرب بحسب تصريحات رئيس الفيدرالية المغربية للفاعلين بقطاع المواشي محمد جبلي، إلا أن المجلس الجماعي لأجلموس وعدد من المناطق الأخرى في المغرب، قرروا الالتزام بتوجيهات ملكية دعت المغربيين إلى عدم ذبح الأضاحي هذا العام.
ففي 26 فبراير/شباط 2025، أصدر الملك المغربي محمد السادس توجيهات تدعو المواطنين إلى عدم ذبح أضحية العيد لهذه السنة، بسبب "تحديات مناخية واقتصادية أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية"، وأشارت الدعوة الملكية إلى أن "عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، والقيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضرراً محققاً بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود".
المغرب قبل عام، كان في قائمة الدول العربية الأكثر امتلاكاً للأغنام لعام 2024 بحسب تقرير صادر عن موقع world population review إذ حلّ في المرتبة الثالثة بعد السودان والجزائر، بإجمالي 25.3 مليون رأس غنم، ومع ذلك يشهد البلد ارتفاعاً حاداً في أسعار اللحوم الحمراء، بسبب تراجع وفرة المواشي بنسبة 38 في المئة خلال العام الجاري مقارنة بعام 2016، وهو ما عزاه وزير الفلاحة المغربي، أحمد البواري، إلى الجفاف الذي يضرب البلاد منذ ست سنوات.
تأثُر القطعان بموجات الجفاف لم يقتصر على المغرب فحسب، إذ أعلنت الجزائر التي تعتبر ثاني أكثر الدول العربية امتلاكاً للأغنام في عام 2024 بحسب موقع population review world، أنها ستستورد مليون رأس غنم لتغطية الطلب على الأضاحي ودعم القطيع المحلي هذا العام.
وبحسب آخر إحصائية رسمية أعلنت عنها الجزائر، قدّر وزير الفلاحة والتنمية الريفية آنذاك، عبد الحفيظ هني، خلال مؤتمر صحفي عام 2023، عدد رؤوس الأغنام في البلاد بنحو 17 مليون رأس، نافياً التقارير التي تحدثت عن امتلاك البلاد قرابة 36 مليون رأس.
وتعزو السلطات الجزائرية أيضاً أسباب تراجع الثروة الحيوانية في البلاد إلى موجات الجفاف غير المسبوقة التي تضرب البلاد منذ سنوات.
وفي تونس وليبيا لا يختلف الوضع كثيراً، إذ تسجل أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعاً مستمراً منذ سنوات مع وجود تقارير تتحدث عن تراجع في أعداد المواشي في البلدين الساحليين.
وتظهر بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير صدر مطلع شهر سبتمبر/أيلول 2024، أن درجات الحرارة ارتفعت في أفريقيا بشكل سريع ومقلق مقارنة بالمتوسط العالمي، ما أدى إلى خسائر قدرت بما بين 2 و5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول بسبب موجات الحر القاتلة والأمطار الغزيرة والفيضانات والأعاصير والجفاف لفترات طويلة.
ويوضح الدكتور محمد عبد المنعم، المستشار الدولي في مجال تغير المناخ والتنمية الريفية، والمستشار السابق لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، لبي بي سي، أن منطقة شمال أفريقيا على وجه الخصوص، أصبحت من المناطق الساخنة فيما يخص تغيرات المناخ، إذ بدا ذلك واضحاً من كميات الأمطار المتدنية، وارتفاع درجات الحرارة والجفاف الذي لم يحدث منذ عشرات السنوات، وقلة المياه والمساحات الخضراء، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى سطح البحر.
ويعتبر الدكتور محمد أن هذه العوامل تؤثر مباشرة على الحيوانات والمراعي بالإضافة لصحة وغذاء القطيع، مستشهداً باضطرار العديد من المزارعين في منطقة الشاوية في المغرب - وهي إحدى المناطق المعروفة بتربية المواشي - إلى التخلص من قطعانهم وبيعها بأقل الأسعار خلال السنوات الماضية، لعدم استطاعتهم على توفير الغذاء على حد قوله.
وليس الجفاف وحده ما يهدد الثروة الحيوانية في دول شمال أفريقيا، إذ يقول مدير مكتب التعاون الدولي بالمكتب الوطني للصحة الحيوانية في ليبيا، إسماعيل أبو غرارة، إن الفيضانات التي ضربت مدينة درنة ومدن أخرى في شرق ليبيا عام 2023، أدت إلى نفوق عدد كبير من المواشي أثر في الثروة الحيوانية في البلاد.
ويوضح أبو غرارة، لبي بي سي، أن أشكال الطقس المتطرف التي تضرب البلاد من هطول الأمطار في غير مواعيدها والفيضانات في عدد من المناطق، إلى جانب الجفاف في مناطق أخرى أدى إلى انتشار الأمراض غير الموسمية بين القطعان، مشيراً إلى أن هذه الأمراض تنتشر أيضاً بسبب هجرة المواشي عبر الحدود، ما يعني تأثر البلاد بشكل غير مباشر بالتغيرات المناخية التي تحدث في دول الجوار كتونس والجزائر.
وخلال إعداد هذا التقرير وجدنا أرقاماً متضاربة بين المؤسسات المعنية برصد وإحصاء المواشي في الدول، وهو ما عزاه أبو غرارة إلى عدم وجود أليات إحصاء محددة، إضافة إلى التوترات التي تشهدها بعض الدول.
ومع ذلك، اتفقت جميع الإحصائيات على وجود تراجع في أعداد المواشي لا سيما في دول أفريقيا وشمالها تحديداً، ما اضطر عدداً من الدول إلى استيراد كميات من المواشي لسد الطلب خلال عيد الأضحى، بينما دعا المغرب إلى الامتناع عن ذبح الأضاحي هذا العام.
يقول الأستاذ في المعهد العالي للتجارة والإدارة في الدار البيضاء، المهدي الفقير، أن التضحية بقرابة 6 ملايين رأس من الماشية في المغرب هذا العام، سيفاقم "الوضع الهش" الذي تتحدث عنه الحكومة.
ويوضح الفقير لبي بي سي أن الإجراءات التي تم اتخاذها هي "إجراءات هيكلية ذات طابع نوعي وكمي بهدف ضمان ديمومة تكاثر القطيع وسد الاستهلاك المحلي"، مبيناً أن "الإجراءات الظرفية التي اتخذتها الحكومة في وقت سابق من خلال استيراد المواشي لم تكن مجدية، إذا استمرت أسعار اللحوم بالارتفاع إلى مستويات غير مسبوقة في البلاد".
وهذه ليست المرة الأولى التي يمنع فيها المغرب ذبح الأضاحي بحسب الفقير، ففي عام 1963، أعلن العاهل المغربي الراحل إلغاء ذبح الأضاحي بسبب ما يعرف بـ "حرب الرمال" بين المغرب والجزائر والتي أثرت على الوضع الاقتصادي للبلاد.
ثمّ في عام 1981، ألغى المغرب أيضاً ذبح الأضاحي بسبب موجة جفاف شديد أصابت البلاد وأدت إلى نفوق أعداد كبيرة من المواشي.
وفي عام 1995 وصل الجفاف إلى مستويات غير مسبوقة وأعلن المغرب تلك السنة، عام كارثة وطنية، ما اضطر السلطات إلى منع ذبح الأضاحي في عام 1996، لإعادة التوازن للقطيع الوطني.
ويرى الفقير أن تلك الإجراءات في حينها نجحت في إعادة توازن الثروة الحيوانية في البلاد، إذ ركزت على منع ذبح الإناث من المواشي، بالإضافة إلى أنها تضمنت برامج دعم المربين، وهو ما يشبه السياسة الحالية للمملكة المغربية على حد قوله.
ومع ازدياد التحذيرات الدولية من تفاقم أزمة المناخ والجفاف، يتخوف مواطني بعض الدول من فرض إجراءات مشابهة لتلك التي اتخذتها المملكة المغربية، إذ انتشرت شائعات على نطاق واسع في تونس تفيد بعزم السلطات حظر ذبح الأضاحي في العيد، وهو ما نفاه ديوان الإفتاء التونسي في مارس/آذار الماضي.
وفي استفسار من الغرفة التونسية للقصابين حول إمكانية حظر ذبح الأضاحي حفاظاً على الثروة الحيوانية خلال موسم الجفاف الذي يضرب البلاد، "أكد ديوان الإفتاء على أن الأضحية هي سنة مؤكدة ومن شعائر الله، ودعا إلى تعظيمها"، بحسب منشور له على فيسبوك.
وفي ذلك يقول الدكتور محمد عبد المنعم، المستشار الدولي في مجال تغير المناخ والتنمية الريفية، إن لكل دولة وضع خاص فيما يخص تغيرات المناخ، موضحاً أن كل دولة لها تدابير تتماشى مع ظروفها المحلية بما يتماشى مع تقييمها للوضع الحالي.
كما استبعدت ليبيا والجزائر اتخاذ إجراءات مشابهة للإجراءات المغربية، إذ قلل إسماعيل أبو غرارة من احتمالية استنزاف المواشي خلال مواسم عيد الأضحى، موضحاً أن المربين يعملون على مدار العام لتلبية الطلب خلال هذا الموسم، ومشيراً إلى البرامج التي تتخذها السلطات المحلية والمنظمات الدولية مثل منظمة الفاو، لدعم المزارعين والمربين في كل دولة على حسب احتياجاتها.
أما في المغرب، فلا يستبعد الفقير أن تستمر السلطات المحلية في منع ذبح الأضاحي خلال الأعوام القادمة إذا اقتضت الحاجة، ويرى أن ذلك سيساهم على المدى المتوسط والبعيد في حماية المربين وإعادة التوازن للثروة الحيوانية في البلاد.
يحل عيد الأضحى على غزة وسط حال مليء بالجوع والخوف والتشرد، فالأهالي بلا مأوى، والأطفال بلا طعام، والآمال مكسورة، فقد أنهت الحرب طقوس العيد وفرغته من الفرحة بعد أن أصبحت الخيام بديلا للبيوت.
غزة- يحل عيد الأضحى هذا العام على سكان قطاع غزة محملا بثلاثية قاسية: جوع، وخوف، وتشرد، فلا طقوس للعيد كما اعتادت غزة أن تحياها، لا تكبيرات في المساجد التي هُدمت، ولا ملابس جديدة تُفرح الأطفال، ولا موائد عامرة يلتف حولها الأهل، وكل ما في المشهد اليوم هو خيام تتناثر على الرمال، وأجساد منهكة من طول النزوح.
فمنذ استئناف إسرائيل حرب الإبادة الجماعية في مارس/آذار الماضي يعيش أغلبية سكان القطاع في ظل مجاعة قاسية نظرا لإغلاق المعابر، وبلا مأوى حقيقي، ويتنقلون من منطقة إلى أخرى هربا من الموت، في حين تهدد إسرائيل بتوسعة عدوانها البري وهدم ما تبقى من المنازل، وهو ما يثير الخوف في نفوس السكان.
يستقبل الفتى أحمد الغلبان (16 عاما) عيد الأضحى هذا العام بعد أن فقد ساقيه وشقيقه التوأم محمد جراء قصف إسرائيلي دمر عالمه بالكامل، وهو الذي كان قبل إصابته لاعب جمباز محترفا ذا أحلام كبيرة، لكنه اليوم يستقبل العيد لا على قدميه، بل على كرسي متحرك، بلا حراك وبقلب يئن من وجعين: الجسد المبتور، والروح المفجوعة بضياع الحلم.
في العيد السابق كان أحمد وأخوه التوأم محمد -الذي كان يحترف الجمباز أيضا- يقضيان وقت العيد معا في مهرجانات وعروض للجمباز، لكنهما الآن غائبان، أحدهما في القبر والآخر في معاناة مستمرة.
يقول أحمد الغلبان للجزيرة نت وهو داخل خيمة غربي مدينة غزة "يأتي عليّ العيد وأنا بدون طرفيّ السفليين وبدون أحلامي، كنت لاعب جمباز محترفا، لكني فقدت شقيقي محمد الذي كنت أمضي معه 24 ساعة في العيد".
ويضيف بنبرة يكمن فيها الألم "العيد الآن ليس فيه فرحة، لا زيارات ولا معايدات، العيد فيه جوع، وفيه خوف"، ويستذكر الأعياد السابقة، حيث كان مدربو السيرك والجمباز يتصلون به وبأخيه الشهيد محمد لتقديم عروض لإدخال الفرحة في نفوس الأطفال في العيد "كنا نقضي أياما حلوة، لكن الاحتلال منعنا وأفقدني طرفيّ السفليين، وحرمني من أخي التوأم، وحرمني من حلمي"، حسب وصفه.
تتدخل والدته آمنة الغلبان وتقول "كان أحمد ومحمد من أمهر اللاعبين في منطقتنا ببيت لاهيا، يمضيان نهارهما الكامل في أجواء حلوة كتير".
وتضيف بأسى "لكن الآن، ابني أحمد فقد أخاه، توأمه، حبيبه، روحه، فقد أحلامه، هوايته، ساقيه، يأتي علينا عيد الأضحى بأجواء مختلفة، أنا أم فقدت ابنها، وابني الآخر فقد ساقيه".
وتستذكر الغلبان أجواء الأعياد السابقة حينما كانت البهجة تملأ المنازل، مستدركة "لكن الآن، قصف وجوع واحتلال وإبادة جماعية حرمتنا من كل حاجة، نحن في خيمة، نعيش في عذاب، وأحمد يحتاج إلى علاج، إلى نظافة، الحمد لله على كل حال".
أمام خيمتها تجلس "أم يوسف" حاملة كيسا يحتوي أرغفة من الخبز المجفف، هو كل ما تبقّى لها لتطعم أطفالها في العيد، تبدأ حديثها بالقول "هذا العيد لا توجد له معالم، نعيش في خوف، كل يومين ونحن في مكان، نحمل أغراضنا وننزح، وحينما نصل إلى مكان جديد يُسقطون علينا مناشير ويطلبون منا النزوح مجددا ويقولون لنا: أخلوا المنطقة، هذه منطقة قتال".
بين كلماتها تمد يدها إلى الكيس وتفتحه لتطعم أولادها قطعا منه كي تسد جوعهم، وتضيف "نحن في وضع لا نستطيع فيه إطعام أولادنا، هذا اليوم الثالث بدون طعام، ولمّا يجوعوا أطعمهم من هذا الخبز الذي جففته في وقت سابق، أنقعه بماء وأعطيه لهم كي يأكلوا".
ثم تسأل بصوت تملؤه الحدة "أين مظاهر العيد؟ يأتي العيد وأنا غير قادرة على إطعام أطفالي؟ هذا ليس بعِيد، كيف يكون العيد وأنا غير قادرة على تأمين حياتهم؟ ولا حتى إسكانهم في مأوى لائق لا يشكل خطرا على حياتهم؟".
تصمت لحظة، ثم تشير إلى طفلها الجالس قربها وتقول "في الليل، ابني هذا يصرخ ويقول: ماما.. صاروخ، ويقضي الليل وهو مرعوب"، موضحة أنه على هذه الحال منذ سقوط صاروخ قربهم قبل 4 أيام.
أما عن شعورها هي بالأمان فتجيب بشكل قاطع "لا أشعر نهائيا بالأمان داخل الخيمة، قد تسقط علينا شظية من القنابل، قبل فترة جارتي سقطت عليها شظية في خيمتها وأصيبت في ذراعها".
اعتادت ميسون حلّس أن تبدأ الاحتفال بعيد الأضحى مع بداية أيام العشر الأوائل من ذي الحجة بالصيام والعبادة، لكن الوضع الآن يختلف تماما في ظل الجوع والخوف والتشرد.
ومن أحد مراكز النزوح غربي مدينة غزة تتحدث حلّس للجزيرة نت بمرارة "في ظل الجوع والعيش بمراكز الإيواء والخوف والدمار والفزع داخل الخيام البائسة صعب جدا أن تحتفل بالعيد".
وتسترجع مشهدا من ذاكرتها "أتذكر حينما كان يأتي العيد وأنا في بيتي وأجهز لأولادي كسوة العيد والحلويات، كان للعيد مذاق خاص، وكانت أمورنا ميسرة، وهناك أمان وراحة بال، لكن الآن كل هذا غير موجود، وانقلبت الأمور"، وتضيف "نحن نعيش في وضع مأساوي، نفتقد للأمان، ونفتقد للطعام، ونفتقد للمأوى".
وتكمل "نواجه الجوع والفقر وصعوبة الوصول للطعام، وأيضا نعيش في أجواء من الرعب مع اقتراب القصف من مناطق قريبة منا، وتعرضنا للخطر جراء سقوط شظايا القنابل على خيامنا التي لا تحمي ساكنيها".
وقبيل يومين زارت حلّس أحد أسواق مدينة غزة فوجدته "بدون أي علامات أو أجواء للعيد مطلقا"، وتضيف "وجوه الناس شاحبة، والجوع واضح على ملامحهم، لا توجد لحوم ولا حلوى مطلقا، وهو ما يميز عيد الأضحى في غزة، لكنه للأسف مختفٍ، لا أحد يشتري ملابس، الأجواء سوداوية حزينة كما قلوب شعبنا البائس".
وتعترف بخوفها العميق على عائلتها، حيث تقول "أخشى إصابة أحد أولادي أو زوجي، خاصة أني فقدت الكثير من أقاربي، هذا الأمر يزيد الضغط علينا ويصيبنا بالتوتر، كما نخشى من تهجيرنا مجددا إلى الجنوب كما بالسابق، وهذا الأمر يصيبنا بالهلع والرعب".
الفلامينغو ليس مجرد "مصفاة طبيعية"، بل هو أقرب إلى "فيزيائي ماهر" يوظف إستراتيجيات مائية ديناميكية بالغة التعقيد لتناول وجبته، محولة المشهد الهادئ إلى آخر عاصف نابض بالأحداث.
عادة ما يصنف مشهد طيور الفلامينغو الوردية وهي تخوض المياه الضحلة بأرجلها الرشيقة كمشهد هادئ، إذ يعتمد الفلامينغو على تصفية الطحالب والجزيئات الصغيرة من الماء ليتغذى.
لكن دراسة علمية جديدة قلبت هذا التصور رأسًا على عقب، مؤكدة أن الفلامينغو ليس مجرد "مصفاة طبيعية"، بل هو أقرب إلى "فيزيائي ماهر" يوظف إستراتيجيات مائية ديناميكية بالغة التعقيد لتناول وجبته، محولة المشهد الهادئ إلى آخر عاصف نابض بالأحداث.
نشرت الدراسة في دورية "بي إن إيه إس"، بمشاركة مهندسين وعلماء من مؤسسات بحثية متعددة، والتي فسرت كيفية استخدام الطائر لمنقاره المنحني، وقدميه المتحركتين المغطاتين بالأغشية، وعنقه الطويل المرن، في محاصرة فرائسه مثل الجمبري الملحي والقشريات المجهرية.
يشرح فيكتور أورتيغا خيمينيز، الأستاذ المساعد في علم الأحياء التكاملي، في جامعة كاليفورنيا – بيركلي الأميركية، في تصريحات حصرية للجزيرة نت، ما يحدث بدقة: "عندما يسحب طائر الفلامينغو رأسه بسرعة من الماء، يُحدث (شفطًا)، مُشكلًا دواماتٍ تشبه الإعصار".
بحسب الدراسة، يبدأ الطائر تغذيته بتحريك قدميه الغشائيتين في حركة تشبه الرقصة، مما يحرك الرواسب ويرفعها من قاع البحيرة، ثم يولد دوامات أفقية قوية بمنقاره ليدفع الكائنات الدقيقة نحو فمه.
في الوقت ذاته، يقوم الفلامينغو بحركة سريعة برأسه لأعلى، فيسحب المياه نحو الأعلى، كجهاز شفط، فيولد دوامات قادرة على رفع الفرائس الدقيقة من القاع. وبوضع رأسه في مقدمة قدميه أثناء الرقص، يستفيد الطائر من هذا التدفق لزيادة كفاءة الصيد.
تشكيل تلك الدوامات بالمنقار وحده أمر غريب، وأثار دهشة العلماء مما دفعهم لتصميم منقار ميكانيكي لمحاكاة العملية. يقول خيمينيز: "تمكنا باستخدام منقار ميكانيكي مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد من محاكاة الحركة السريعة لمنقار الفلامينغو، فوجدناها تُنتج تدفقًا قويًا موجهًا نحو المنقار، مما يُسهّل اصطياد الفريسة. أجرينا تجربة باستخدام منقار ميكانيكي يمتص الماء في نفس الوقت بمعدل ثابت باستخدام مضخة مياه، مُحاكيًا ضخ اللسان".
قارن الفريق بين عدد الروبيان الملحي الممكن اصطياده بواسطة النظامين بالشفط وحده (بالمضخة فقط ممثلة اللسان)، والشفط مع المطاردة (المضخة الممثلة للسان + حركة المنقار السريعة). وقد أشارت نتائج التجربة إلى أن الحركة السريعة للمنقار تزيد من عدد الكائنات التي تدخل إلى فم الطائر بمقدار 7 أضعاف، مقارنة باستخدام المضخة فقط دون حركة الفك، مما يثبت فعاليتها الهائلة في صيد هذا النوع من الكائنات تحت الماء.
شبّه الباحثون في هذه الدراسة الأسلوب الذي يستخدمه الفلامينغو لصيد فرائسه بتقنية العناكب في استخدام الشباك. إذ يصنع كلا الكائنين فخًا يقيّد حركة الفريسة، العناكب بشباكها وخيوطها الفتاكة، والفلامينغو بدوامته المائية القوية.
يقول خيمينيز: "هناك حاجةٌ إلى أبحاثٍ مستقبلية لتكوين فهم أفضل لكيفية تكيف طيور الفلامينغو لاصطياد الفرائس عبر الدوامات. أحدُ هذه الأساليب هو دراسة السجلات الأحفورية لأقارب طيور الفلامينغو من حيث ديناميكيات السوائل". وكبديلٍ لذلك، سيكون من المفيد تحليل طيور الفلامينغو الصغيرة، التي تولد بمناقير مستقيمة، لدراسة كيفية تحولها إلى استخدام مناقيرها المنحنية لاصطياد الفرائس.
إلى جانب الاكتشافات البيولوجية، تفتح نتائج هذه الدراسة الباب أمام تطبيقات هندسية جديدة. فالقدرة الطبيعية للفلامينجو على توليد تيارات مائية موجهة يمكن أن تلهم المهندسين والعلماء بتقنيات جديدة. يقول خيمينيز: "من التطبيقات المحتملة لبحثنا تطوير نظام ترشيح مُهندَس بيولوجيًا مستوحى من ديناميكية تغذية طيور الفلامنجو" ويضيف "لاستخراج المواد البلاستيكية الدقيقة من المياه الملوثة وإزالة الكائنات الحية الدقيقة الضارة، بما في ذلك الطحالب السامة".
تكشف هذه الدراسة بوضوح عن الوجه الخفي لطائر الفلامينغو، الذي لم يعد مجرد طائر جميل وردي ذي ساقين طويلتين، بل فيزيائي دقيق يستغل قوانين فيزياء الماء لتأمين طعامه في بيئة قاسية. من الرقصة الغريبة التي يقوم بها في المياه الضحلة إلى حركات الرأس والمنقار المعقدة، يُظهر الفلامينغو كيف يمكن للطبيعة أن تطور حلولًا مدهشة تجمع بين الجمال والبراعة الهندسية.
أمرت قاضية أميركية -الخميس- بتعليق جديد لتنفيذ قرار الرئيس دونالد ترامب الهادف إلى منع طلاب أجانب من الالتحاق بجامعة هارفارد، وسط تصاعد المعركة بين الرئيس وواحدة من أعرق جامعات العالم.
أمرت قاضية أميركية -أمس الخميس- بتعليق جديد لتنفيذ قرار الرئيس دونالد ترامب الهادف إلى منع طلاب أجانب من الالتحاق بجامعة هارفارد، وسط تصاعد المعركة بين الرئيس وواحدة من أعرق جامعات العالم.
وبموجب أمر مؤقت لصالح جامعة هارفارد، أمرت قاضية المحكمة الجزئية الأميركية أليسون دي بوروز بمنع سريان إعلان ترامب إلى حين البت في المسألة، ورأت أن الحكومة يجب ألا تطبق قرار ترامب.
وقالت بوروز إن حظر ترامب دخول الرعايا الأجانب للولايات المتحدة من أجل الدراسة في هارفارد خلال الأشهر الستة المقبلة من شأنه أن يتسبب في "ضرر بأثر فوري لا يمكن إصلاحه" قبل أن تتاح للمحاكم فرصة مراجعة القضية.
وكانت بوروز قد منعت ترامب الشهر الماضي من تنفيذ أمر منفصل يحظر على هارفارد تسجيل الطلاب الأجانب، الذين يشكلون أكثر من ربع عدد طلابها.
وعدلت هارفارد -أمس الخميس- دعواها القضائية للطعن في مرسوم ترامب الذي يلغي تأشيرات الطلاب الأجانب في الجامعة، ويعلق دخول الطلاب والباحثين الراغبين في الدراسة فيها، قائلة إن ترامب ينتهك قرار بوروز.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إن الدعوى المرفوعة أمام محكمة فدرالية وصفت قرار ترامب بأنه "جزء من حملة انتقامية منسقة ومتصاعدة من الحكومة، ردا على ممارسة هارفارد حقوقها المنصوص عليها في التعديل الأول من الدستور، الذي يضمن حريات متعددة، بينها حرية التعبير".
واعتبرت "رابطة اللبلاب" -التي تجمع 8 جامعات من أشهر وأقدم وأعرق جامعات الولايات المتحدة- أن الحظر "عمل انتقامي غير قانوني بسبب رفض جامعة هارفارد لمطالب البيت الأبيض".
وينتقد الطعن الأساس القانوني الذي استند إليه ترامب في هذا الإجراء، وهو قانون فدرالي يسمح له بمنع "فئة من الأجانب" يعتبر وجودهم ضارا بمصالح الأمة.
وقالت جامعة هارفارد في طعنها إن استهداف القادمين إلى الولايات المتحدة للدراسة في هارفارد فقط لا يعتبر "فئة من الأجانب، ومن ثم، فإن تصرفات الرئيس لا تهدف إلى حماية مصالح الولايات المتحدة، بل تسعى إلى متابعة ثأر حكومي ضد هارفارد".
طلبت أكثر من 130 وسيلة إعلام ومنظمة تعنى بالدفاع عن الصحفيين من إسرائيل السماح للصحافة العالمية بـ"الدخول فورا وبدون قيود" إلى قطاع غزة بعد منع المراسلين الأجانب من دخوله منذ 7 أكتوبر 2023.
طلبت أكثر من 130 وسيلة إعلام ومنظمة تعنى بالدفاع عن الصحفيين، أمس الخميس، من إسرائيل السماح للصحافة العالمية بـ"الدخول فورا وبدون قيود" إلى قطاع غزة بعد منع المراسلين الأجانب من دخوله منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقال موقعو الرسالة التي أعدتها منظمة مراسلون بلا حدود ولجنة حماية الصحفيين ومقرها نيويورك "منذ 20 شهرا، منعت السلطات الإسرائيلية الصحفيين من خارج غزة من الوصول بشكل مستقل إلى القطاع وهو وضع غير مسبوق في التاريخ المعاصر للنزاعات المسلحة".
وجاء في نص الرسالة "يواجه الصحفيون المحليون وهم الأفضل قدرة على نقل الواقع، خطر الجوع أو النفي. إلى هذا اليوم قُتل نحو 200 صحفي على يد الجيش الإسرائيلي، وأصيب كثيرون بجروح ويواجهون تهديدات مستمرة لسلامتهم، لأنهم يؤدون واجبهم: نقل الحقيقة".
وحملت الرسالة توقيع كل من مدير الأخبار في وكالة الصحافة الفرنسية فيل شيتويند، ومديرة وكالة أسوشيتد برس الأميركية جولي بايس، ورئيس تحرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية ألوف بن.
وأضافت الرسالة "في هذه اللحظة المحورية مع استئناف العمليات العسكرية والجهود المبذولة لمواصلة توزيع المساعدات الإنسانية في غزة، من الضروري أن تفتح إسرائيل حدود غزة"، داعية "زعماء العالم" إلى الضغط لتحقيق هذه الغاية.
وتأتي هذه المطالبات في وقت استشهد فيه أمس 4 صحفيين فلسطينيين في قصف إسرائيلي مباشر استهدف المستشفى المعمداني بمدينة غزة، وفق ما أفاد به مراسل الجزيرة، في واحدة من سلسلة هجمات استهدفت الطواقم الإعلامية منذ بداية العدوان.
ووسط عمليات الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة أغلقت أيضا القطاع أمام المراسلين الأجانب، لكنها سمحت لبعض المراسلين الموالين لها بمواكبة جنودها لفترات وجيزة.
وتعتمد كبرى وسائل الإعلام الأجنبية على طواقم من الصحفيين الفلسطينيين من غزة أنهكوا من عمليات القصف المستمرة منذ 20 شهرا، بينما تمكن آخرون من مغادرة القطاع ويقومون بتغطية الوضع عن بُعد بدعم من أفراد موجودين على الأرض.
ولجأ العديد من الشبان في غزة على غرار معتز عزايزة وبيسان عودة إلى مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا إنستغرام حيث لديهما آلاف المتابعين، لمشاركة يوميات الفلسطينيين تحت وطأة القصف الإسرائيلي.
وقالت رئيسة لجنة حماية الصحفيين جودي غينسبيرغ "عندما يُقتل صحفيون بأعداد غير مسبوقة، وتُمنع وسائل الإعلام الدولية المستقلة من الوصول (إلى غزة)، يفقد العالم قدرته على رؤية الأمور بوضوح وإدراك ما يحدث تماما والتحرك بشكل فعال".
وقال مدير منظمة "مراسلون بلا حدود" تيبو بروتين في بيان إن الحصار الإعلامي المفروض على غزة "يسمح بالتدمير الكامل ومحو المنطقة المحاصرة"، مؤكدا أن ما تقوم به إسرائيل هو "محاولة منسقة لإسكات الوقائع وقمع الحقيقة وعزل الصحافة والشعب الفلسطينيين".
وكان المدير العام لوزارة الصحة في غزة، منير البرش، قد أكد للجزيرة أن أكثر من 225 صحفيا استشهدوا منذ بدء الحرب، متهما الاحتلال بمحاولة طمس الحقيقة ومنع الصحافة الأجنبية من نقل الواقع في القطاع.
وطالبت وسائل الإعلام الدولية مرارا ومن دون جدوى بأن يسمح بدخول المراسلين الأجانب إلى قطاع غزة بلا قيود. وقد قدّمت جمعية الصحافة الأجنبية "إف بي إيه" (FPA)، ومقرها القدس التي تُمثّل المراسلين العاملين في وسائل الإعلام الدولية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، استئنافا أمام المحكمة العليا الإسرائيلية للطعن في قرار حظر دخول غزة.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية بغزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 180 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.
وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل حوالي 2.4 مليون بالقطاع، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.